Admin Admin
عدد المساهمات : 258 تاريخ التسجيل : 27/05/2009
| موضوع: سحرة فرعون الخميس نوفمبر 12, 2009 9:48 pm | |
| قرأت بالأمس مقالا بعنوان " البحث عن الشيخ شلتوت " للكاتبة و الروائية الأستاذة / سكينة فؤاد صادرا في جريدة الدستور المصرية العدد 236 .. و الحق أنني من المتابعين لكتابات الأستاذة سواء في المجال الروائي و الأدبي ، أو في مواقفها الشجاعة من قضايا الفساد خصوصا قضايا الأمن الغذائي ..
لكني فوجئت بها اليوم تتحدث في الدين - و لم أعهد عليها ذلك باعتبارها كاتبة ليبرالية – ، و ليتها أجاشت بخاطرة دينية أو حتى معلومة متفق عليها .. بل للأسف لقد أقحمت نفسها في ترجيح رأي فقهي ضعيف ، إضافة إلى أنها تحدثت بجرأة في مجال التاريخ الديني .. و هي ليست أهلا لهذا الطريق الوعر ..
و لقد قرأت على الشبكة العنكبوتية عدة مقالات تحذو ذات الحذو ، و تسير في نفس الاتجاه .. فحدثني خاطري أن أناقش القضيتين اللتين تحدثت فيهما الكاتبة .. و لعلها تكون فرصة لا تسنح لي ثانية .. و لست هنا بصدد الرد على الكاتبة أو من حذى حذوها .. و لكني بصدد مناقشة القضيتين ، باعتبارهما تثيران جدلا ليس محدودا .. و ليس لي أن أقحم نفسي في الرد على الكاتبة أو غيرها فلست ممن يشغل وقته وجهده في الرد على من كتب أو من خطب ..
[size=21]أولا : فتوى الشيخ شلتوت بدأت الكاتبة مقالها بامتداح الخطوة التي تقول أن الإمام محمود شلتوت شيخ الأزهر السابق قد اتخذها حين أفتى بجواز التعبد بالمذهب الجعفري الشيعي الإثنى عشري .. و تعتبر الكاتبة هذه الخطوة نموذجا لتحقيق وحدة الأمة .. و نموذجا مثاليا للتقريب بين المذاهب الإسلامية ..
و الحق أنني أعيب على جريدة الدستور ذات المصداقية و القبول الواسع أن تنشر هذا الكلام ، ليتداوله العوام في فترة حالكة حيث الناس مفتونون بإنجازات الشيعة السياسية و العسكرية للحد الذي يجعلهم يقولون " حسن نصر الله خليفة المسلمين " .. إن هذا الكلام و غيره كفيل بأن يجع الهمل يندفعون إلى التشيع عن فتنة و جهل .. وكان واجبا على جريدة الدستور أن تراجع الكاتبة ، و أن تتحقق في صحة كلامها و خصوصا و أن الفتوى المشار إليهار مثار شك وجدل .. و هذا الشك في هذه الفتوى من ناحيتين :
الأولى : من ناحية نسبتها للشيخ شلتوت أصلا : حيث لا يوجد دليل واحد موثق على صدور هذه الفتوى عن الإمام شلتوت رحمه . سوى ورقة – غير مختومة بختم الأزهر – تدعي " دار التقريب بين المذاهب بالقاهرة " – وهي مؤسسة شيعية – أن الإمام شلتوت قد أرسلها لها .. في حين لا يوجد لها أصل في الأزهر ، و لا في مجموع فتاوى الإمام .. إضافة لذلك فإن للشيخ شلتوت رحمه الله فتاوى في كتبه تعتبر زواج المتعة – الذي يجيزه الشيعة الإثنى عشرية – كبيرة تخرج من يمارسونها من الملة نهائيا .. فكيف ينسب إليه أنه يقر التعبد بالمذهب الذي يجيز زواج المتعة أحيانا ؟!! – أنظر كتاب الفتاوى للشيخ شلتوت ص 272 – و قد نفى العلامة القرضاوي حفظه الله هذه الفتوى عن الشيخ ، وقال أنه يتحدى أن يثبت أحد أن هذه الفتوى صدرت عن الشيخ شلتوت رحمه الله ، و المعلوم أن الشيخ القرضاوي هو أكثر العلماء معرفة بتراث الإمام شلتوت ، حيث كان الأزهر قد وكل إليه هو و الأستاذ أحمد العسال جمع تراث الشيخ ، و قد وفقهما الله لذلك .. فهو أدرى الناس بما أفتى به الشيخ شلتوت ..
الثانية : من ناحية صحة الفتوى : فهب أن الفتوى صدرت عن الشيخ شلتوت فعلا – وهذا مستحيل – فإنه لا خلاف على أن الفتوى لا تستند للحقيقة العلمية الشرعية .. و للإنصاف نحن نقر أن الشيعة مسلمون و لسنا نخرجهم من الملة و ذلك لأن الإسلام كلمة ؛ لا إله إلا الله و محمد رسول الله - و قد أوضحت ذلك و دللت عليه في مقالي ( كيف نتعامل مع قضية الشيعة ؟ ) - و لكن ما نتكلم فيه هو أن عقيدة الإثنى عشرية ممتلئة بالبدع و المنكرات .. و قد برع علماء السنة منذ مئات السنين في إيضاحها و كشفها .. مثل الإيمان بعصمة الأئمة و تفضيلهم على الأنبياء ، و سب الصحابة ، و رمي عائشة رضي الله عنها ، و إباحتهم لزواج المتعة .. و غيرها .. إنهم مسلمون ، و لكن لا يجوز التعبد بمذهب مبتدع منحرف .. فهل لو خرج علينا حفنة من الشباب غدا يبيحون شرب الخمر لكنهم يصومون و يصلون مثلنا ، فهل نعتبر منهجهم يجوز التعبد به بحجة أنهم يتفقون معنا في الأصول ؟؟!! هذا خطل واضح .. !!
و للإنصاف ، فإنه يؤخذ على الشيخ محمد الغزالي رحمه الله تأييده لهذه الفتوى في بعض كتبه – دون التحقق من صحة نسبتها للشيخ شلتوت ، و دون التحقق من صحتها شرعيا .. و لكن عذر الشيخ الغزالي ، و كذلك الشيخ شلتوت إن كان هو صاحب الفتوى : أن الشيعة مخادعون ، و كثيرا ما نفوا هذه البدع و المنكرات عنهم ، و تنصلوا منها بمبدأ التقية الذي يمارسونه .. و لم تكن هناك قديما وسائل إعلام رشيدة تكشف المخبوء .. فلعل الشيخين قد خدعا بالوعود فأحسنوا الظن حرصا على سلامة وحدة الأمة .. و على أية حال فهذه الفتوى – سواء نسبت إلى الإمام أو لم تنسب إليه - مرفوضة شرعا و قد أجمع العلماء بذلك .. فالواجب على جريدة الدستور مراجعة نفسها خشية أن تتسبب في إضلال العوام ..
ثانيا : سحرة فرعون
بعد ذلك الإقرار الغير رشيد لهذه الفتوى ؛ راحت الكاتبة تصب هجومها على الداعية عمرو خالد و برنامجه قصص القرآن الذي حكى فيه قصة موسى عليه السلام .. وقد كان هجوم الكاتبة على الداعية.. لمجرد أنه قال : " أن سحرة فرعون الذين استجابوا لموسى و آمنوا معه كان عددهم يفوق العشر آلاف ساحر " .. و تقول الكاتبة أن الداعية بهذه الطريقة يثبت أن لليهود حق تاريخي في مصر و فلسطين .. و تدعي استحالة أن يكون عدد السحرة الذين آمنوا مع موسى بهذه الضخامة ( عشر آلاف ساحر ) .. و العجيب أنني بعد بحث سريع على الانترنت فوجئت أن كثيرا من المثقفين - غير الأستاذة سكينة – يفكرون بنفس الطريقة و يعتبرون كلام الأستاذ يخدم المصالح الصهيونية ، على أساس أنه يثبت أن لليهود حق تاريخي في مصر ..
و الحق أنني لا أفهم ما علاقة ما ذكره الأستاذ ، بهذا التخوف المزعوم .. و لعلها فرصة أن أكشف عن ظاهرة زيغ فكري يصيب كثير من المثقفين المسلمين ناجم عن عقد نفسية من حقائق التاريخ ..
إن القرآن الكريم يثبت أن موسى عليه السلام آمن به السحرة المصريون الذين جمعهم فرعون من جميع أنحاء مصر كي يكشفوا سحر موسى ، و هذه طبيعة الشعب المصري سرعان ما يلين قلبه إلى الحق ، و يستمسك به و لا ينفك عنه أبدا ، و التاريخ يثبت أن هؤلاء السحرة كانوا أشد إيمانا من بني إسرائيل ، فظلوا ثابتين على إيمانهم حتى بعد الهجرة ، و لم يحرفوا دينهم من بعد ما آمنوا .. و لم يفعلوا مثلما فعلت بني إسرائيل .. و القرآن الكريم يعرض لنا موقف سحرة فرعون الثابت و الشجاع حينما اهتدوا إلى الحق و آمنوا به ..
" فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46)قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ (48) قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ۚ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49) قَالُوا لَا ضَيْرَ ۖ إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (51) " الشعراء ..
لقد كان موقف هؤلاء السحرة عظيما يجب أن يحتذى به ، و نادر أن نجد مثل هذا الثبات في التاريخ ..
أما عدد هؤلاء السحرة فقد اختلفت فيه الروايات ، لكن على أية حال فقد أجمعت كتب التاريخ المشهورة على أن عددهم كان أكثر من عشر آلاف ساحر ، ما بين إثني عشر ألف ، و خمسة عشر ألف ، حتى وصل في بعض الكتب إلى سبعين ألف ساحر ..
جاء فى كتاب ( الخطط والآثار للمقريزى ) عن فضائل مصر: " أنه كان من أهل مصر السحرة ، وقد آمنوا جميعا فى ساعة واحدة ، ولا يعلم جماعة أسلمت فى ساعة واحدة أكثر من جماعة القبط ، وكانوا اثنى عشر ألف ساحرا رؤساء ، تحت يد كل ساحر منهم عشرون عريفا ، تحت يدكل عريف منهم ألف من السحرة ، فكان جميع السحرة مائتى ألف وأربعين ألفا ومائتين واثنين وخمسين إنسانا بالرؤساء والعرفاء فلما عاينوا ما عاينوا ، أيقنوا أن ذلك من السماء ، وأن السحر لا يقوم لأمر الله ، فخر الرؤساء الاثنا عشر عند ذلك سجدا ، فتبعهم العرفاء واتبع العرفاء من بقى ، وقالوا : "آمنا برب العالمين رب موسى وهارون" وكانوا من أصحاب سيدنا موسى عليه السلام ، ولم يفتتن منهم أحد فى عبادة العجل كما فعلت بنوا إسرائيل "
وقال ابن كثيرفي البداية والنهاية أنه قيل: " كانوا ثمانين ألفا. قاله محمدبن كعب، وقيل سبعين ألفا قاله القاسم بن أبي بردة، وقال السدي بضعة وثلاثين ألفا، وعن أبي أمامة تسعة عشر ألفا، وقال محمد بن إسحاق خمسة عشر ألفا، وقال كعب الأحبار كانوا اثني عشر ألفا .. "
و قال السيوطي في الدر المنثور : " وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن كعب قال : كان سحرة فرعون اثني عشر ألفا ،وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن إسحق قال : جمع له خمسة عشرألف ساحر، و أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي ثمامة قال : سحرة فرعون سبعة عشر ألفا . وفي لفظ : تسعة عشر ألفا . وأخرج ابن أبي حاتم و أبو الشيخ عن السدي قال : كان السحرة بضعة وثلاثين ألفا ليس منهم رجل إلا معه حبلأو عصا ، فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم،وأخرج ابن جريروابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن القاسم بن أبي بزة قال : سحرة فرعون كانوا سبعين ألفساحر ، فألقوا سبعين ألف حبل وسبعين ألف عصا حتى جعل موسى يخيل إليه من سحرهم أنهاتسعى ، فأوحى الله إليه : يا موسى ألق عصاك . فألقى عصاه فإذا هي ثعبان فاغر فاه فابتلع حبالهم وعصيهم ، فألقي السحرة عند ذلك سجدا، فما رفعوا رؤوسهم حتى رأواالجنة والنار وثواب أهلها،وأخرج ابن أبي حاتمعنمحمدبن كعب قال : كانت السحرةالذين توفاهم الله مسلمين ثمانين ألفا،وأخرج أبو الشيخ عنابن جريج قال : السحرة ثلاثمائة من قرم ، ثلاثمائة من العريش ، ويشكون في ثلاثمائة من الإسكندرية .. "
هذه هي الحقيقة الذي أقرها القرآن و و أثبتتها كتب التاريخ المشهورة .. فلماذا الإدعاء بأن الأستاذ عمرو خالد يخدم المصالح الصهيونية بقوله " أن قد آمن من مصر بموسى أكثر من عشر ألاف ساحر " ؟؟!!
و الحق أنني أريد أن أكشف عن ظاهرة عجيبة بين المثقفين .. فإن كثيرا منهم قد وصل به خوفه من الغش الفكري الذي تمارسه الصهيونية إلى حد رفض حقائق التاريخ الثابتة و الصحيحة .. و هذا ناجم عن عقد نفسية ناجمة عن حالة الاكتئاب و الضعف الفكري و السياسي و العسكري التي يعاني منها المثقفون المسلمون ..
و لقد قرأت منذ سنتين مقالات منتشرة لعدد من المثقفين و المفكرين تنفي أن يكون من أعاد بناء بيت المقدس هو داوود و سليمان عليهما السلام ( 1 ) .. و علة نفيهما لهذه الحقيقة التاريخية أنها تخدم المصالح الصهيونية .. و قد قرأت مقالا عجيبا لكاتب مسلم ينفي فيه هجرة موسى إلى فلسطين !!
وهذا شطط يثير الدهشة .. !! ألكي أحارب الطموح الصهيوني ، أنسف حقائق التاريخ ..؟؟!! أهذا سلوك رشيد .. ؟؟!!
و الحق أننا يجب ألا تكون لدينا عقد نفسية من هذه الحقائق .. فالثابت أن بني إسرائيل هاجروا مع أبيهم إلى مصر ، ليعيشوا مع أخيهم يوسف الصديق بعد أن أنعم الله عليه و صار عزيزا لها ، و قد مكثوا بها سنين ، حتى انقلب بهم الحال فصاروا مستضعفين ، إلى أن جاء موسى عليه السلام ليحررهم من هذا الضعف ، ويهاجر بهم إلى فلسطين .. و قد ظلوا بها عشرات السنين .. و تعاقبت عليهم الأنبياء هناك ..
و هذا شيء لا يعيبنا ، و لا يعطي لليهود حقا في فلسطين أو مصر .. ذلك لأن اليهود كانوا يومها هم أهل الإسلام في ذلك العصر .. فلما جاءت النصرانية نسخت ما قبلها ، إلى أن جاء الإسلام ، فنسخ كل الديانات قبله .. و جاء للناس كافة .. لقد كان اليهوديسكنون خيبر و بقاع شاسعة من الجزيرة العربية قبل الإسلام .. فهل هذا يعني أن لليهود الآن حق فيخيبر و الجزيرة ؟؟!! بل لقد كانوا منتشرينفي بقاع كثيرة من يثرب ، فهل هذا يعني أن مدينة رسول الله ملك لليهود ؟؟
لماذا هذا التخوف الغريب ..؟!! المسألة ببساطة هي أن الدين عند الله الإسلام ، و أن البلاد التي فتحها المسلمون و دخل أهلها الإسلام أصبحت مملوكة للكيان الإسلامي الواحد .. فلا داعي لرفض معلوماتالتاريخ من أجل إثبات أملاكنا إلينا .. فهذا أمر لا نحتاج إليه .. فإن الإسلام يلغي ما قبله ..
هذا ما قد هديت إليه .. و الله من وراء القصد و لا أبريء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء ..
[/size] | |
|